بقلم: ماغي الحاصباني.
“أقدمت فتاة على الإنتحار بواسطة آلة حادة، عثر على شابٍ منتحراً داخلَ سيارته بحوذته سلاحَ صيدٍ …”.
هذه ليست مجردَ أخبارٍ تصلنا يومياً وتمرُ مرورَ الكرامِ، إنّما هذه ١٠٨ حالة انتحار و٦٩محاولة مسجلة حتى نهاية أيلول ٢٠٢٥، أي هذه ١٧٧ قصة، قصصُ أشخاصٍ اختاروا وضع نقطة النهاية لحياتهم. لماذا؟، ما هي الأسباب المحتملة؟، وكيف يمكن تقليص هذا الرقم المرعب؟
بينما تتصفحون الأخبار اليومية وتتخللها أخبار كهذه، هل فكرتم يوماً لماذا قد يُقدم الإنسان على ارتكاب جرم كهذا بحق نفسه؟، هل تنظرون الى هذا كعددٍ أمّ تحاولون فهم قصة كل شخص سجل رقمه ضمن هذا العدد؟
تتعدد الأسباب والنتيجة واحدة :”موت متعمد عن سابق إصرار وتصميم”. أحيانا، يشعر المرء أن الدنيا ورغم وسعها ضيقة، لم تعد تتسعه مما يشعره باليأس والعجز وكأنه وصل إلى طريق مسدود. وقد يتعلق ذلك بأسلوب حياته ومساره مثلا شعوره الدائم بالاهمال العاطفي والعائلي وأنه لا ينتمي الى مكان، فلا يجد من يحتويه أو يخفف عنه مما يولد الشعور بالنقص والنبذ الاجتماعي. زد إلى ذلك نظرة الإنسان إلى حياته التي لا تشهد تقدّماً إيجابياً ملحوظاً وكأنهُ مهما فعل يبقى وسطَ دوامةَ حزنٍ لا تنتهي فترغمهُ على العيشِ داخل رأسه وأفكاره الفوضوية فيحاول إسكات هذه الأفكار بأي وسيلة.
كما وأن، يلاحظ أن في فئة الشباب تكون أسباب الإنتحار بسبب الحب، ففي بداية حياتهم العاطفية يظن الشباب أن حبهم الأول هو الأبدي فيتعلقون بالطرف الثاني ويربطون حياتهم به وفجأة حين يقع الإنفصال يعتقدون أن لم يعد للحياة معنى بغياب الحبيب، فيلجأ عددٌ منهم إلى الإنتحار كوسيلة لإنهاء العذاب أو كوسيلة ضغط غير مضمونة النتائج قد تحظى باهتمام الحبيب وتعيده.
لابد من التطرق إلى العوامل الخارجية التي تشكلُ ضغطاً على الأشخاص وتساهم في سلبهم حياتهم كالعوامل الاقتصادية الخانقة التي تجعل رب البيت غير قادر على تأمين لقمة العيش لعائلته، والبطالة لدى الشباب التي تمنعم من تحقيق ذواتهم وضمان مستقبل أفضل، وغياب الإستقرار المادي والوظيفي والصحي والنفسي… هذه الأسباب وغيرها قد تندرج ضمن الدوافع نحو الوصول لقرارِ الإنتحار.
ولكن ما السبيل نحو الحدِّ من هذهِ الظاهرةِ؟
بداية علينا الإدراك أن معظم حالات الإنتحار تكون وليدة تراكمات نفسية. وعليه، المسؤولية الكبرى تقع على عاتق محيط الشخص في بناء سدّاً منيعاً بين الفكرة والتنفيذ. فعندما يكون الإنسان بحالة نفسية سيئة يكون أكثر حاجةً للإهتمام والعطفِ والإحتواء من الحاجة للنصائح والعتب.
وفي الوقت عينه، يخشى الكثير من الناس من إصدار الأحكام عليهم لذا يحاولون عدم الإفصاح عن مشاعرهم، فدور المصغي يكمن في خلق جو نفسي داعم ومريح يمكّنه من الحديث عن مشاعره دون أن يخاف من الفكرة التي سيكونها الشخص عنه بعد الإصغاء له.
وفي هذا السياق، من المهم عدم مقارنة حياة الطرف المستمع بالطرف المتكلم، فمجرد أن يشعر الشخص بأن المستمع يحاول أن يستصغر مشاكله ويستخف بمشاعره، وكأنه يضخم الأمور بالتالي سيمتنع عن الحديث معه ويلجأ للكتمان، والأفضل هو أن يشعره بتفهم حجم معاناته، ولكن دفعه نحو المواجهة لإيجاد حلول بعيداً عن الهروب.
والأهم من كل ذلك، هو الإدراك بأن أفضل ما يمكن فعله عند الشعور بوجود أفكار إنتحارية هو تجويع هذه الأفكار، فتجويعها يؤدي إلى موتها وتغذيتها ستؤدي حتما لتنميتها وتحويلها لمرحلة التنفيذ، فكلَّما حاولت تلك الفكرة أن تنمو علينا أن نمنع وصول أفكار سوداء داعمة، بل على العكس إقناع الذات بأهمية الحياة والحفاظ عليها.
ومن الضروري تفعيل ندوات توعوية تثقيفية في المدارس والجامعات وحتى في أماكن العمل تُسلط الضوءَ على أهمية الصحة النفسية والإبتعاد عن الكتمان، وتفعّل ثقافة الحديث عن المشاعر لشخصٍ موثوق لتخفيف الضغط النفسي ولفت الإنتباه إلى أن حتى الذين يشعرون بالوحدة ولا يملكون شخصاً يتحدثون إليه يمكنهم الإتصال بخط الحياة وهو الخط المخصص للدعم النفسي والوقاية من الإنتحار.
إذاً، الإنتحار لحظة تخلي، نعم لحظة فقدان حياة ولكن مبنية على لحظات من المشاعر المتراكمة والتي قد تدفع الإنسان باتخاذ أصعب قرار… الحديث عن الإنتحار ليس عيباً إنما العيب أن نكون جزءاً من قرار المنتحر، فربما آن الأوان لرفع الصوت كي يُتخذ القرار بمتابعة الحياة التي تستحق أن نعيشها بحلوها ومرها.
وكالة أنباء العاصفة العربية
