القَصص القرآنيّ وما ألحق بها من: اليهوديّات(الإسرائيليّات)

بقلم: الدكتورة شيرين لبيب خورشيد

باسم الله الرّحمن الرّحيم والصّلاة والسّلام على سيّد المرسلين محمّد بن عبد الله صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .

وبعد:
قبل الدّخول فيما أودّ التّحدّث عنه والرّجاء بما فيه، لابدّ لي من طرح بضع أسئلة على نفسي أوّلاً كي أصل من خلال الإجابة عنها الى الهدف المبتغى ممّا أقول:

1. ما الهدف من سرد القَصص القرآنيّ؟
2. لمَ وردت هذه القَصص في القرآن الكريم؟
3. هل أضيف إليها بعض اليهوديّات (الإسرائيليّات)؟ وماخطورة ذلك؟
4. هل يمكن الاعتماد على اليهوديّات (الإسرائيليّات) في سرد وتفصيل بعض جوانب من القَصص القرآنيّ؟
5. ما دوري كداعية في إيصال القَصص القرآنيّ بأنقى صورة لطالب العلم الشّرعي بشكل خاصّ ولعامّة القرّاء بشكل عامّ؟

في إجابة مقتضبة وسريعة عن تساؤلي الأوّل يمكنني أن أرى بوضوح أنّ أهمّ أهداف القَصص القرآنيّ هو إثبات رسالة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من خلال التّعرّف على الأمم السّابقة على اختلاف أشكالها من الطّغاة والعصاة, وبالتّالي بيان دعوة كافّة الأنبياء والرّسل، مما يوضح تصديق دعوة الأنبياء والرّسل وكيف يجب الإيمان بهم؟ (وهذا من الأصول والأركان الأساسيّة في الإيمان). كما قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إليه مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}[سورة البقرة:285].

وقال تعالى: {ِإنّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَـئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}[سورة النساء:150 – 152].

وقال تعالى: {وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا} [سورة النساء:136]، وقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاء اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [سورة البقرة:91]، وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يديَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الإِسْلامِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [سورة الصّفّ:6 – 7].

وقال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [سورة آل عمران:81 – 82]. فالإيمان بالرّسل أصل من أصول الإيمان، قال تعالى: {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [سورة آل عمران: 84]،ومن لم يؤمن بالرّسل ضلّ ضلالاً بعيداً.

كلّ هذا يبيّن في النّتيجة أنّ دعوة الرّسل إنّما هي رسالة واحدة وأنّها من الله وتدعو لعبادته وحده. قال الله تعالى مخبراً عمّا أرسل به جميع الرّسل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [سورة الأنبياء: 25].

كما أنّها أفضل وأقوى وسيلة كانت في معجزة الرّسول (القرآن الكريم) لتثبيت فؤاد الرّسول وتثبيت صبره على أذى قومه وهي سبيل كلّ الأنبياء {كُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [سورة هود: 120]؛وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [سورة الفرقان:32].

وفي هذا العرض للقَصص بيان واضح وجليّ لقدرة الله في المعجزات من خلال… خلق سيّدنا آدم عليه السّلام وقصّة خلق سيّدنا عيسى عليه السّلام, وتكليم موسى عليه السّلام …كلّ هذا يضاف إليه أخذ العبر والعظات من قَصص الأمم السّابقة “كعاد وثمود” وتكذيبهم لأبنائهم ومصيرهم.

ومن جانب آخر كان إظهار النّعم التي أنعمها الله على أنبيائه وأوليائه كما حدث مع سيّدنا يونس حينما دعا ربّه :(لاإله إلّا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين) فنجّاه من كربه فبمثل هذه النّعم دعم وتقوية وتثبيت لمفهوم أنّ الله مع النّبيّ المرسل في حربه مع قومه المكذّبين والمنكرين لرسالته .ولا نتساهل في بيان قيمة ما تعرضه هذه القصص من بيان عداوة الشّيطان للإنسان منذ خلق سيّدنا آدم عليه السّلام .

ومن كلّ هذه الجوانب لايخفى علينا ماتحويه من فوائد للدّعاة حيث يستفيدون من الأساليب النّاجحة في تعامل الأنبياء مع أقوامهم, والاقتصاديون يستفيدون من قصّة سيّدنا يوسف كما يتعلّم منه الشّباب العفاف وضبط الشّهوات.

ولا يمكننا أن ننسى أنّ القصص عبرة للمؤمنين بما فيها مواقف خلقية إنسانية كحقيقة العبوديّة ومنهج الدعوة والصبر والثبات في الأمر والطمأنينة والسكون والصدق والإخلاص لله ربّ العالمين. قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [سورة يوسف١١١]، إضافة إلى أهمّ ما يستخلص منها من أحكام فقهيّة وشرعيّة .

وفيما أحاول أثناء تحقيقي المتواضع هذا فهم علاقة اليهوديّات (الإسرائيليّات) في سرد القَصص القرآنيّ وتوضيحه حيث شاع مصطلح اليهوديّات منذ أواخر عهد الصّحابة والتّابعين والتي كان من أهمّ أسباب انتشارها الضّعف الثّقافي للمجتمع العربيّ والحقد اليهوديّ تجاه المسلمين .

كما أنّ الاختصار الذي جاء به القرآن الكريم للقَصص القرآنيّ الكامن في إعجازه، حيث لايفتقر إلى شرح وتفسير من خارج القرآن نفسه فهو يفسّر نفسه ولا يحتاج للدّخول بتفاصيل لاداعي لها .هذا وقد وجدت أنّ هذه اليهوديّات إنّما صنّفها العلماء إلى ثلاثة أقسام منها: ما يوافق القرآن الكريم فنصدّقه ونحدّث به, ومنها مايكذّبه القرآن وهذا يجب علينا تكذيبه إضافة إلى أخبار لم يكذّبها القرآن ولم يصدّقها فهذه يمكن الاستئناس بها.

إلّا أنّني وجدت من خلال المتابعة كيف أنّ عموم المفسّرين من المعاصرين قد ذمّوا دخول اليهوديّات في كتب التّفسير حيث تبيّن أنّ كتب التّفسير من عهد ابن جرير إلى اليوم لايكاد يخلو تفسير منها من يهوديّات إلّا أنّها متفاوتة قلّة وكثرة .والسّبب في هذا يعود كما قلنا سابقاً إلى أنّ أسلوب القرآن الكريم في رواية القَصص يقوم على الاختصار والإكتفاء بالهامّ والنّافع بينما اليهوديّات أو روايات أهل الكتاب تتشعّب في ذكر التّفاصيل غير الضّروريّة وغير النّافعة والتي لا أهمّيّة لها .

لأجل هذا كلّه ولأجل تحقيق الأهداف من قراءة القَصص القرآنيّ وفهمه الفهم الدّقيق المرجوّ منه كان لابدّ من رفضّ قراءة القَصص القرآنيّ في ضوء الرّوايات المعتمدة على اليهوديّات في تفصيلها والدّعوة لقراءتها كما وردت في نصّ المصحف الشّريف وتدرس جيّداً باللّسان العربيّ الذي أنزل القرآن الكريم به لنكون بذلك تحرّرنا من اليهوديّات وخطرها .

لماذا يجب تجنّب (اليهوديات) الإسرائيليّات؟ في الحقيقة الخطر قديم ومن عهد الرّسول عليه الصّلاة والسّلام عندما وجد صحيفة للتّوراة بيد عمر بن الخطّاب رضي الله عنه غضب غضباً شديداً وقال: “أمتهوّكون فيها يابن الخطاب؟ والله لقد جئتكم فيها بيضاء نقيّة ولو كان أخي موسى حيّاً ما وسعه إلّا اتّباعي” .لقد أراد الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أن يحصر مصدر المعرفة والأخذ من القرآن الكريم وسنّة رسول الله بحيث إذا تشعّبت هذه الموارد والمصادر تختلط الأمور على النّاس بكلّ أسف .

فعندما شاعت اليهوديّات ودخلت كتب التّفسير وكتب التّاريخ وغير ذلك صارت تساهم في تزويد المسلمين بالمعرفة فبذلك لم يقتصر المسلمون على النّبع الصّافي (القرآن والسّنّة) وإنّما أخذوا من هذه اليهوديّات التي شوّهت العقيدة والدّين والمعرفة, فالخطورة الآن أنّها تزاحم مصدر المعرفة للمسلمين بحيث شاركت الوحي والسّنّة فإذا سلّمنا لهذه اليهوديّات أو جعلناها مصدراً لمعرفتنا، معنى ذلك أنّنا سنسلّم بكلّ ما ورد فيها من ترويج لخرافاتهم وأمورهم وأغراضهم التي يسوّقون لها، وسنصل إلى ما وصل إليه أهل الكتاب سابقاً بأن غيروا من أسس ومبادئ وتعاليم شرعية أنزلت على رسلهم فجعلوا كتبهم المبتدعة توافق هواهم ومصالحهم الدنيوية وبعيدة كل البعد عما أنزله الله على رسله لصلاح مجتمعهم وأخلاقهم. لذلك أرجو وأدعو وأنصح بالعودة إلى أصالة الأمّة الإسلاميّة وعدم تضمين أيّ ممّا كتب من اليهوديّات.

شاهد أيضاً

مفوضية بيروت “كالغيث نمضي” رؤية كشفية تربوية لبناء جيل صالح

تحرير: القائد الصحافي يوسف أكرم سعيد آغا مؤسس ومديرعام وكالة أنباء العاصفة العربية ــ رئيس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *