إستراتيجية التغير… ثلاث لا بدّ منها

هل تعلم بأن سلوكك في الحياة هو إنعكاس للمعتقدات والقيم والمفاهيم التي أكتسبتها منذ الصغر ونمت وترعرعت معك منذ نعومة أظفارك؟، هل تعلم بأنك كتلة مشاعر وأحاسيس تؤثر بك وترسم لك خط سيرك في الحياة؟، من الواضح أن هناك إرتباط وثيق وإنعكاس لما نؤمن ونشعر على ما نقوم به من أعمال وأفعال وعلاقات إجتماعية، وأن نظرتنا للكون وللإنسان ولأنفسنا تحدد لنا موقعنا في الصورة الأشمل في هذا العالم. فكيف السبيل للسيطرة على هذه كلها وتحويلها إلى قوة دافعة توقد في أنفسنا حب العمل والإنطلاق والبعد عن السلبية والكسل؟

يتفق العاملون في مجال التغيير والتطوير الذاتي، ومن قبلهم علماء النفس والإجتماع، بأن عملية تغيير المفاهيم العقلية التي تسيطر على المشاعر والسلوك من أصعب الأمور وأكثرها تعقيداً، وخاصة عند إكتمال الشخصية ورسوخ تلك المفاهيم في الذهن وممارسة آثارها فعلياً. ذلك أن عملية كهذه تتطلب أولاً وقبل كل شيء إتخاذ قرار بالتغيير، ومع عدمه فستذهب كل المحاولات أدراج الرياح. فالتغيير بالنسبة للكثيرين يعتبر مصدر قلق وخوف وسبب للخروج من دائرة الأمان ومواجهة المجهول الذي لا يعرفون عنه شيئاً، فالبقاء على ما هم عليه أسلم. كثيرة هي الأمثلة التي توضح الفكرة: فالجبان مثلاً قد شبّ على عدم مواجهة الآخرين والمطالبة بالحقوق، وتأثر بمحيطه الذي نشأ به فاقتنع بأن البعد عن المواجهة أسلم بالرغم من كل الآثار السلبية التي ستعود عليه وعلى المجتمع من ضياع للحقوق وسيطرة القوي على الضعيف وغيرها من النتائج السيئة. فالتغيير يحتاج إلى شجاعة إتخاذ القرار والتحلي بصفة الإقدام ليرى بعدها ما المطلوب تغييره وكيف، ودراسة الآثار المترتبة على ذلك التغيير ومقارنته بالوضع الحالي.

القرار بالتغيير ليس كافياً، بل هو حجر الأساس الذي يبنى عليه. الخطوة الثانية هو ما يسمى بالوعي السلبي ذلك أن أعمال الإنسان، وهي إنعكاس لما يؤمن به، تصبح أعمالاً إعتيادية يقوم بها صاحبها بدون وعي ولا تفكير. هنا يأتي دور الوعي السلبي والمقصود به تبيان آثار تلك الأعمال السلبية على حياة الفرد ومحيطه الذي يعيش فيه. بالعودة إلى الجبان الذي ضربنا به المثل وبعد إقتناعه بأن التغيير ضروري واتخذ قراره بذلك، عليه أن يعي بأن عدم المواجهة المحقة والمشروعة سوف يؤدي في نهاية الأمر إلى ضياع حقه وسيطرة القوي على مقدراته وسلبه مصادر القوة التي يتمتع بها، وسيصبح بعدها مضطهداً لا حول له ولا قوة. الوعي السلبي هو الخطوة الثانية في عملية التغيير.

بعد إتخاذ قرار التغيير وإدراك مخاطر البقاء على الوضع الحالي، تأتي مرحلة العمل العكسي وتغيير طريقة التعاطي مع الأمور بشكل يختلف عن السابق، والإستمرار على ذلك لفترة طويلة من الزمن حتى يصبح هذا العمل عادة متأصلة يصعب التخلي عنها والعمل بغيرها. فمن كان جباناً واتخذ قراره بالتغيير ودرس مخاطر بقاءه على تلك الحال، عليه أن يبادر إلى التصرف بطريقة مختلفة فيواجه حيث تقتضي الحاجة، بالرغم من الصعوبات التي ستواجهه في بادئ الأمر لعدم إعتياده على ذلك، ولكنه مع الإستمرار سيشعر بأن شيئاً مهماً قدّ تغير في شخصيته ومفاهيمه وقيمه ونظرته إلى نفسه وإلى المجتمع.

إن التغيير عملية متكاملة ذات خطوات محددة لا يمكن إغفالها، فهي تبدأ من الخطوة الأهم، خطوة إتخاذ القرار بالتغيير ومن ثم إدراك مخاطر البقاء على الوضع الحالي، وأخيراً العمل بطريقة عكسية لما سبق. إنها عملية إنسانية بحتة هدفها الرقي بالإنسان إلى أعلى مراتب الإنسانية والكمال البشري، ولا يتأتى ذلك إلا بالعمل الجاد المخلص والهادف.

مدرب التنمية البشرية
الأستاذ محمد مدلل

للتواصل مع المدرب إضغط على الرابط التالي:
https://www.facebook.com/tamayouz12

شاهد أيضاً

مفوضية بيروت “كالغيث نمضي” رؤية كشفية تربوية لبناء جيل صالح

تحرير: القائد الصحافي يوسف أكرم سعيد آغا مؤسس ومديرعام وكالة أنباء العاصفة العربية ــ رئيس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *